إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

هكذا تكلم المسيح - 4 - اذا كان المرء تاماً

هكذا تكلم المسيح - إذا كان المرء تاماً







يقول يسوع:


لهذا السبب أقول: إذا كان المرء <تاماً>، يكون ممتلئاً نوراً، ولكنْ إذا كان منقسماً، يكون ممتلئاً ظلمة.


كم شخصية لديك؟ هل ترى نفسك واحداً كاملاً حقاً؟ الست ترى ان لكل واحد منا في كل مكان وجه مختلف وحال مغاير، الا ترى ان حتى في اللحظة التي تبقى فيها مع نفسك تبرز أمامك اختلافات شتى وانقسامات عديدة، ما أن تلبث فكرة في ان تطفو على سطح العقل الا وتظهر فكرة اخرى غيرها وربما تعارضها، يا ترى من انت؟ هل انت ذاك الذي في المنزل مع العائلة؟ ام من تكونه مع اصدقائك؟، هل انت هذه الفكرة ام تلك؟ 

ان الداء الأكثر شيوعاً لدينا هو هذا الانقسام، انقسام للعديد من الشخصيات، كلنا مصابون بهذا الداء، كلنا لدينا مئات الاصوات في رؤوسنا، لا ندري حقاً الى من نستمع، او اي صوت في تلك الاصوات هو نحن؟؟ 

لكن يسوع هنا يتحدث عن الانسان التام، الممتليء بالنور، ويشير الى عاقبة الانقسام، الا وهو الامتلاء بالظلمة، فكيف يا ترى نتخلص من ظلمة الانقسام، الى نور الوحدة والتمام؟


يجب اولاً أن نفهم لماذا يحدث الانقسام؟


هناك سببان للانقسام يرتبط بعضهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً


السبب الاول: هو غياب سلطنة الفرد على عقله، فالعقل دائماً يشرد، وسيل الافكار لا يتوقف ابداً، فكيف يمكن ان يكون الإنسان تاماً ان انجرف مع كل فكرة تأتي في رأسه؟، الأفكار احياناً تكون الأفكار لصوصا، كل فكرة تسرق الانتباه، ملايين الافكار تأتي يومياً، وكل فكرة تسرق من اهتمامك، وما الاهتمام الا طاقة الحياة نفسها، فنحن بتوجيه انتباهنا الى شيء ما نبدأ بتغذيته، فالشيء ان لم تعرفه اهتماماً يموت، والافكار تتغذى على الاهتمام، وكل فكرة تظهر تحاول ان تخطف انتباهك واهتمامك، حينما يشرد ذهنك تماماً وتبقى تابعاً لكل ما يدور في ذهنك من افكار، ستستنفذ طاقتك تماماً، تدريجياً ستفقد القدرة على التواجد في الحياة التي تحدث حولك في كل لحظة لأنك اعتدت ان تعطي كل اهتمامك لما يدور في ذهنك من افكار في كل الوقت، فمتى اذاً ستنتبه وتقوى على ان تعيش في الحياة الحقيقية التي تحدث من حولك؟

حينما تشرد مع كل فكرة تظهر في ذهنك، يبدأ من هنا الانقسام،

لكن الخبر السار انه يمكنك ان تعتاد ان توجه انتباهك للواقع كما اعتدت ان توجه انتباهك للأفكار، والأمر ليس معقداً كثيراً، بإمكانك التدرب على ذلك، فقط ذكر نفسك في حسب انك انت لست هذه الافكار، ولا الصوت الذي تسمعه في رأسك، وان توجه انتباهك للحظة والمكان الذي انت فيه بإرادتك.

مع مرور الوقت، ربما يأخذ الامر وقت كثير مع البعض، او وقت قليل مع آخرين، لكن في كل الاحوال ستجد نفسك قادراً على الانتباه وعدم الانجراف وراء كل فكرة تلمع في ذهنك، وستتمكن من استخدام عقلك بإرادتك الحرة، ولن تكون شارداً تماماً مع كل فكرة تلمع في ذهنك، فقط تذكر ان الأفكار تسلب طاقتك تماماً، كن مراقباً لحركة الافكار في ذهنك دون ان تنجرف مع اي منها، ثم ركز انتباهك على الحاضر، ولا تشعر بالتأنيب ان وجدت نفسك تشرد كثيراً مع الافكار، فالتأنيب ليس الا فكرة اخرى تريد ان تسلب اهتمامك، بل كل ما عليك فعله حينما تلاحظ انك كنت شارداً هو ان تعود الى انتباهك وتتابع يومك بكل سلاسة.

أما السبب الثاني للإنقسام:، هو وجود معتقدات راسخة في اللاوعي تخلق الانقسام في كل الاحيان، مثلا فكرة ان على الانسان ان يبدو جيداً امام الآخرين حتى يحظى بالاحترام وينال مكانة اجتماعية جيدة وسط اقرانه، هذه الفكرة مثلاً احد الافكار الانقسامية، فأنت ربما في الحقيقة لست جيداً، لست كما يظن الآخرون، او لست كما يريدون ويتوقعون، لكنك مضطر ان تظهر لهم بأنك جيد حسب ما يظنون، حتى وان لم تكن كذلك، فتكون مع العائلة والجيران شخص، وتكون مع الأصدقاء شخص، وتكون مع نفسك شخص آخر، مادمت تحمل في عقلك فكرة انه يجب ان تبدو بصورة معينة امام الآخرين فحتماً ستكون منقسماً.

فكرة اخرى مثلاً، هي فكرة الإله الذي سوف يظل ساخطاً عليك مادمت لا تعمل وصاياه، فحين تفعل ما يخالف تلك الوصايا، فسيظهر شخص آخر يؤنبك على ما فعلته، فتجد نفسك وقد اصبح لديك شخصيتين، شخص يفعل وشخص يؤنب، وتظل في صراع وتقلب بين هذين الشخصين!، هل تظن مثلاً انك بهذه الطريقة ستترقى روحانياً بأي شكل؟ ام ان للترقي الروحاني سبيلاً آخر؟

يقول يسوع ان كل ما يخلق الانقسام بداخلنا يؤدي الى الظلمة، 

الظلمة ليست الا غياب النور، 
لذلك علينا ان نوقد النور بداخلنا،
والسبيل لذلك هو ان نتجه نحو التمام - الاتساق مع الذات -  او الوحدة.

الاتساق مع الذات يتحقق حينما يكون الدافع وراء كل ما تفعله واحداً، وان تكون واعياً بذلك، 

وحين تختفي كل الافكار التي تخلق انقساماً داخل النفس، وهذا غير ممكن الا اذا تقبلت نفسك تماماً، تقبلت حالك كما انت، اقتل هذا الثرثار الذي يظهر في رأسك ويخلق انقساماً بداخلك، قبول نفسك تماماً هو بداية التمام ونهاية الانقسام، وحين تكون تاماً فقط يمكن ان تترقى على سلم الروح، فلو كنت منقسماً لعدة اشخاص فمن سيترقى ومن سيهبط ومن سيصعد ومن سينزل، هذه هي العقبة الأكبر امام تطورنا الروحي، حين يصبح المرأ تاماً غير منقسماً، يبدأ رحلته من حيث هو، حتى ان كان الانسان بعيداً جداً، فسيبدأ تطوره من هذه النقطة، اما ان ظل منقسماً فلن يتحرك ابداً.

حين ينتهي الانقسام ويتجلى التكامل، هل تظن ان الامراض الاجتماعية التي نشكوا منها دائماً سيبقى لها وجوداً؟ هل سترى النفاق والتملق؟! هل سترى انسان يتغنى بالقيم السامية العليا ثم يفعل عكس ما يدعو اليه؟!

يقول يسوع ان المرء التام ممتليء بالنور، 

وببزوغ النور تتلاشى الظلمة تماماً، بظهور الحقيقة تنعدم كل الأوهام،،

انسان تاماً يكون ممتلئاً بالنور، مجتمع تاماً يكون ممتلئاً بالنور أيضاً،، 

فليس هناك مصدر للظلام الا الانقسام، 

فكيف نحلم بعالم متحد يعيش في سلام، بينما بداخل كل امريء منا انقسام وفرقة وحرب؟؟

خلاصة القول:

الانقسام يبدأ بشرودنا وراء كل فكرة تظهر في أذهاننا، ويمكننا تجاوز ذلك بالممارسة والمحاولة والتأمل، والاتساق والتمام غير ممكن مع وجود معتقدات تغذي الانقسام، لذلك فعلينا ان نعيد النظر في كل مايخلق الانقسام في انفسنا.